recent
أهم الموضوعات

أناكساغوراس anaxagoras

أهتم أناكساغوراس، كالفلاسفة الذين سبقوه، بأصل العالم وتفسير الحركة، كانت فلسفة أناكساغوراس معاصرة لفلسفة أمبادوقليس وتعتمد على نفس الافتراضات الأساسية . كلا الفيلسوفين حاول تفسير الطبيعة والعالم المادي من خلال مبدأ تعدد العناصر بدلاً من مبدأ الوحدة المطلقة. ومع ذلك، اختلفا في تفاصيل تفسيراتهما.

وُلد أناكساغوراس حوالي عام 500 ق.م، وتوفي في عام 428 أو 427 ق.م، وعلى الرغم من انتمائه إلى عائلة نبيلة وغنية، اختار التخلي عن ثروته والتوجه إلى أثينا سعيًا وراء العلم والفلسفة، وعاش العصر الذهبي لأثينا حيث كانت عاصمة للفلسفة.
أناكساغوراس

بينما اعتقد أمبادوقليس بوجود أربعة عناصر أساسية (الماء، الهواء، النار، والأرض) تسيطر عليها قوتان، الحب والصراع، رأى أناكساغوراس أن الكون يتكون من بذور لا متناهية العدد، وكل شيء يحتوي على جزء من كل شيء آخر، ويشرف "العقل" على حركة الكون وتنظيمه.

أناكساغوراس

  • ولادته:- وُلد أناكساغوراس حوالي عام 500 ق.م، وتوفي في عام 428 أو 427 ق.م، وعلى الرغم من انتمائه إلى عائلة نبيلة وغنية، اختار التخلي عن ثروته والتوجه إلى أثينا سعيًا وراء العلم والفلسفة، وعاش العصر الذهبي لأثينا حيث كانت عاصمة للفلسفة.
  • فلسفته:- كانت نظريته الفلسفية مشابهة لفلسفة معاصره أمبادوقليس، ولكن شخصيته كانت مختلفة تماماً عن أمبادوقليس. كان أكثر وعياً وبساطة، ويخلو من التطلعات الشعرية السياسية. كان باحثاً ولم يدّعِ شيئاً غير ذلك.

عاش أناكساغوراس حياة فقيرة ارتضاها لنفسه، ولم يضع لمظاهر الحياة اهتماماً يُذكر.

  • علاقاته:- كانت علاقاته وصداقاته في أثينا مع أبرز شخصياتها على الإطلاق. كان صديقاً لبريكليس ولايروبيدس التراجيدي التقدمي، الذي اشتهر بدعواه للحرية والمساواة. كما كان صديقاً للنحات العظيم فيدياس.
  • تهمته والحكم عليه بالإعدام:- كان لأناكساغوراس تأثير قوي على بريكليس، وبالتالي على مصير اليونان. استمرت صداقتهما لأكثر من ثلاثين عاماً، ولكنها انتهت بصورة مأساوية. إذ طعن فيه أعداء بريكليس في فترة ما قبل الحرب البيلوبونيسية، مما دفعه إلى هجر أثينا.

نفي أناكساغوراس من أثينا، تم نفيه من أثينا بتهمة نشره المفاهيم الفلكية والدينية (كان ذلك نتيجة لتصريحاته التي مفادها أن الأجرام السماوية ليست آلهة، وأن الشمس ليست سوى حجر ملتهب، بينما القمر هو مجرد أرض)، وهي تهمة شائعة ضد الفلاسفة لتبرير العداء السياسي لهم. مات أناكساغوراس في مدينة لامبساك.

تأثر أناكساغوراس بنفس الفلاسفة الذين تأثر بهم أمبادوقليس. تأثر من جانب بفلاسفة الطبيعة الأيونيين، وبالذات هيراقليطس، ومن الجانب الآخر بالإيليين، وخاصة بارمنيدس. كما أخذ من زينون نظرية الانقسام اللامتناهي للمادة.

فلسفة أناكساغوراس

رأى أناكساغوراس أن الطبيعة ليست مكونة من العناصر الأربعة التقليدية، بل من "نتاجات" أو مواد لا متناهية العدد. كل الأشياء في الكون تحتوي على جزء من كل شيء آخر، والمادة لا تفنى بل تتغير من خلال اختلاط وانفصال هذه العناصر. هذا التصور للمادة كشيء غير متغير جذرياً أثر على النظرة الفلسفية للمادة والكون في الفكر اليوناني اللاحق.

تعتبر نظريته عن "العقل" أو "الروح" المسؤولة عن حركة الكون تطوراً هاماً في الفكر الفلسفي، حيث رفض العشوائية في تفسير الحركة. هذا المبدأ أثر بشكل كبير على فلسفات لاحقة، خاصة عند أفلاطون وأرسطو، اللذين طوّرا فكرته بطرق مختلفة.

أولًا:- نظرية المادة عند أناكساغوراس

  • العناصر الأساسية للمادة ،آمن أمبادوقليس بوجود أربعة عناصر أساسية للمادة، وهي الهواء، والماء، والتراب، والنار. لكن أناكساغوراس كان لديه وجهة نظر مختلفة، حيث طرح تساؤلات مثل: "كيف يمكن أن ينبت الشعر من شيء لا يحتوي على شعر؟ وكيف يمكن أن يتشكل اللحم من شيء لا يحتوي على لحم؟"
بمعنى آخر، اعتقد أن كل هذه المواد موجودة بالفعل في صورتها النهائية. لذلك، يرى أناكساغوراس أن الأنواع المختلفة من المادة، مثل الذهب، واللحم، والخشب، والنار، والماء، هي عناصر نهائية، لا تتشكل من أي شيء آخر ولا تتحول من مادة إلى أخرى.
  • أذا كانت الأنواع المختلفة من المادة هي عناصر نهائية لا تتشكل من أي شي أخر ولا تتحول من مادة إلى أخرى، فكيف تخلق وتفئ المواد؟
يعتقد أناكساغوراس أن الوجود لا يمكن أن ينشأ من العدم، بل كل شيء موجود منذ الأزل، مثل الذهب، واللحم، والهواء، ولكنه يتواجد على شكل بذور.

قال أناكساغوراس: "إن فكرة الإيليين عن الوجود والفناء غير سليمة لأنه لا شيء ينشأ ولا شيء يختفي". وإنما يوجد فقط اختلاط وانفصال للأشياء. وعليه، من الأصح أن نسمي النشوء اختلاطاً والفناء انفصالاً. 

ومع ذلك، اختلف أناكساغوراس عن أمبادوقليس في فهمه للتكوينات المتغيرة، إذ اعتقد بأنه لا يمكن أن تقوم أي نوعية من مكونات نوعيات أخرى.

كتب أناكساغوراس متسائلاً: "كيف يمكن أن ينبت الشعر مما ليس هو شعراً، واللحم مما ليس هو لحماً؟". وعليه، فقد نادى بعدم تغيير ليس فقط بعض العناصر، وإنما كل النوعيات.

كان أمبادوقليس يعتقد بأن للواقع أربعة مكونات، أما أناكساغوراس فقد اعتقد بأن عدد المكونات يوازي عدد كل الأنواع الموجودة في العالم.

وقد أطلق أناكساغوراس على هذه المكونات اسم "النتاجات" أو "الأشياء"، وقد أطلق عليها أرسطو فيما بعد اسم "الهوموامريات" (أي الأجسام التي تتكون من أجزاء ذات نوع واحد). وعليه، كانت نظرية أناكساغوراس للطبيعة نظرية كيفية؛ كل شيء موجود يتكون من نتاجات مختلفة.

فإذا أكلنا خبزاً، فهذا يعني بأننا نغذي أجسامنا، أي نغذي عضلاتنا ودمنا ولحمنا وعظامنا. وعليه، يتحتم على الخبز أن يحتوي على عضلات ودم ولحم وعظم. وبما أن الخبز يأتي من النبات، فهذا يعني أن كل هذه المكونات موجودة في النبات.

والنبات يتغذى من الحيويّات (العناصر الحية) في الأرض والماء والشمس والهواء، وعليه، يجب أن تكون كل المكونات موجودة في الحيويّات. وهكذا، كل شيء مركب من كل شيء. يوجد جزء من كل شيء في كل شيء آخر: "في أي شيء جزء من كل شيء"، و "كل الأشياء تتساوى حتى أصغر جزء من المادة مركب في أصغر شيء".

في كل الأجسام المختلفة ونتاجات كل الأشياء، مع كل أنواع الأشكال والألوان والروائح، لا يوجد حد للانقسام. في وسط الأشياء الصغيرة، لا يوجد أصغر شيء، وإنما فقط أصغر. وهكذا، يعالج أناكساغوراس اللانهائية في الطبيعة بصورة مطلقة، وهو مفهوم مستمد من تعاليم زينون حول اللانهاية في الانقسام.

لكن أناكساغوراس نادى باللانهائية حتى في مجال الكيفية، وبهذا وضع تصوراً مختلفاً تماماً للمادة. إنه نفس التصور الذي وضعه لايبنتس بعد ألفي عام، حيث يعكس أي جزء في العالم كل العالم.

إذا كان أي شيء يحتوي على كل مكونات العالم، فكيف يمكننا أن نفرق بين شيء وآخر، وبأي حق نطلق عليها أسماء مختلفة؟ وقد سبق أن قال خصوم أناكساغوراس إنه يمكننا أن نستنتج من نظريته أنه عندما نرمي حجراً بآخر، سيؤدي ذلك إلى أن ينزف الحجر دماً، وأن يحلب النبات لبناً.

ولكن كان أناكساغوراس يفهم الموضوع كالآتي: في كل شيء توجد كل المكونات، ولكن ليس بنفس النسبة. نلاحظ في أي شيء فقط المكونات ذات الغلبة، وعلى أساسها نسمي الشيء. المكونات الأخرى موجودة في الشيء، ولكن لا يمكن ملاحظتها.

بالضبط مثل الصوت الرفيع الذي لا تستطيع سماعه في الجلبة، ولا تستطيع رؤية نقطة الخمر في البرميل الكبير. لا تستطيع حواسنا مواكبة لا نهائية التنوع والانقسام. إذ توجد حدود لا تستطيع حواسنا بلوغها. وهذا هو المفهوم الذي يطلق عليه علم النفس المعاصر اسم مفهوم "الحافة".

ثانيًا:- نظرية الروح عند  أناكساجوراس

  • قام أناكساجوراس أيضًا بالفصل بين القوة والمادة. وهذا نتيجة للتأثر بفلسفة بارمنيدس؛ إذ إن المادة بطبيعتها غير متحركة والحركة تأتيها من الخارج. ولكن من أين؟ كان تصور أناكساجوراس كالآتي: هناك حافز للحركة الأولى للمادة، ولكن من أين يأتي هذا الحافز؟ هنا تأتي إجابة أناكساجوراس الشهيرة: من الروح.

رفض أناكساجوراس أن تكون بداية الحركة هي الصدفة أو حتمية غير مفهومة، لأن هذا يتعارض مع الطابع المنظم والمفهوم للطبيعة. وعليه، يتحتم على الحافز أن يأتي من قوة غير آلية وهي الروح.

تكلَّم الإغريق منذ القدم عن إمكانية معرفة الطبيعة والتشابه فيها وبين ما نعرفه عن أرواحنا، لكن أناكساجوراس نادى بأن الروح تقع خارج نطاق الطبيعة، وهذا هو السبب في أنها تحرك العالم. كانت هذه الفكرة جديدة تمامًا، وقد أثارت إعجاب معاصريه.

  • لم ينادِ أي أحد قبله بأي وجود خارج نطاق العالم الطبيعي؛ إذ حتى آلهة الإغريق كانوا يقطنون في الأرض ويشكلون جزءًا من الطبيعة. لم يقم أناكساجوراس بشرح تفصيلي لمفهومه حول الروح، فقد تكلم عنها فقط لشرح الحركة والنظام في الطبيعة.

لكن كان مفهومه عن الروح يختلف تمامًا عن المفهوم الحديث لها؛ فقد كان يفهم الروح فهماً مادياً، باعتبارها مادة حساسة لا ترتبط بالأنواع الأخرى للمادة. وهذا كان مفهوم الإغريق القدامى للروح.

قطعًا لم يفهم الروح بوصفها شخصاً، إذ لم يكن هذا الفهم موجوداً عند الإغريق. كانت الروح روحًا للحيويات وروحًا للأجسام السماوية وروحًا للعالم. وكان يعطي الروح خاصية القوى غير الشخصية.

كانت مهمة الروح محدودة فقط بإعطاء العالم الحركة، وكفت الروح عن العمل بعد أن بدأ العالم في الحركة. لا يوجد في هذه النظرية أي كلام عن نشاط فوق الطبيعة أو عن أي غاية في تشكيل العالم.

ثالثًا:- نظرية الإدراك عند أناكساغوراس

  • تُعَدُّ نظرية أناكساغوراس للإدراك من النظريات التي تواجه عيبًا أساسيًا، وهو عدم قابليتها للتطبيق العملي. فقد قدّمت مفاهيم حول قضايا معينة في العلوم الطبيعية، وكان بعض هذه المفاهيم صحيحًا، لكنها كانت في النهاية مجرد ملاحظات وتعميمات عامة.

تختلف نظرية أناكساغوراس في الإدراك بشكل كامل عن نظرية أمبادوقليس. فهو يقول إننا لا نلاحظ الأشياء التي تشبهنا، بل نلاحظ العكس. اعتمد في هذا المفهوم على ملاحظات مثل: "إن الشيء الذي يكون بارداً مثلنا ودافئاً مثلنا لا يجعلنا نشعر بالبرودة والسخونة." وقد أدت هذه الملاحظات إلى وضع قاعدة نسبية للإدراك.

  • كما اعتمد أناكساغوراس على مفهوم "حافة الوعي"، حيث رأى أن الإدراك يختلف حسب الأنواع والأدوات المستخدمة. كان يلاحظ العلاقة بين الإدراك وطبيعة الحواس، حيث كان لديه فهم بسيط لذلك؛ إذ اعتبر أن الحيوانات ذات العيون الكبيرة والنقية تستطيع رؤية الأشياء الكبيرة والصغيرة، بينما الحيوانات ذات العيون الصغيرة ترى الأشياء الصغيرة والقريبة.

اعترف أيضًا بالتأثير العاطفي للإدراك، قائلاً إن كل أشكال الإدراك - باعتبارها نشاطًا لأشياء متضادة - ترتبط بالألم الذي نشعر به عند الانطباعات القوية. وأشار إلى أن "الألوان المتلألئة تسبب لنا الألم بحيث لا نستطيع تحملها لفترة طويلة.

أهمية أناكساجوراس

كانت أهمية أناكساغوراس ناتجة عن عدة عوامل، منها:

  1. نظرية الروح: حيث اعتبر أن الروح موجودة خارج العالم وهي التي تحرك الكون.
  2. نظرية الطبيعة: التي كان يفهمها بطريقة كيفية ومطلقة، مما أضفى عليها طابعًا فلسفيًا عميقًا.
  3. نظريته للإدراك: التي قدمت رؤى جديدة حول كيفية إدراك الكائنات للواقع من حولها.

بالمقارنة مع أمبادوقليس، كان أناكساغوراس يمثل الميتافيزيائي أكثر من كونه فيزيائيًا. إذ كانت نظريته حول الروح تحمل طابعًا ميتافيزيائيًا جريئًا، لكنها لم تكن ذات قيمة حقيقية في تفسير ظواهر الطبيعة. نفس الأمر ينطبق على نظريته حول المادة، التي كانت محاولة ميتافيزيائية لفهم طبيعة الأشياء، لكنها لم تسهم في البحث العلمي الفعلي. حتى إيمانه بدقة الحواس لم يمنع الإغريق من البحث عن الوحدة في وسط الظواهر المتنوعة.

تأثير أناكساجوراس والمعارضة ضده

كان لأناكساجوراس العديد من التلاميذ، من بينهم أرخيلوس الذي علم بدوره العديد من الفلاسفة الأثينيين، بما في ذلك عدد من السفسطائيين وسقراط نفسه. 

وكان لنظرية أناكساغوراس حول الروح تأثير كبير، حيث أخذ بها أفلاطون وأرسطو بعد إجراء التعديلات اللازمة، وقدماها للأجيال القادمة. أثارت نظريته حول دور الروح في العالم إعجاب الكثيرين، لكنها تعرضت لنقد الفلاسفة اللاحقين، لأنه لم يستفد من فكرته في شرح العالم.

ظلّ أناكساغوراس على موقفه الميكانيكي ولم يخلق صورة غائية للواقع، ولم يقدم لاهوتًا واحدًا. ومع ذلك، فإن نظريته حول الروح التي توجد خارج نطاق العالم خلقت أرضية للمفاهيم الغيبية والغائية التي ظهرت لاحقًا. أما بالنسبة لنظريته للمادة، فلم تلقَ صدىً كبيرًا، حيث عارضها ديمقريطس بمفهومه الكلي والنسبي.

ولم تجد مطلقية أناكساغوراس أي أنصار لها بين الإغريق، بل كانت لها تأثيرات محدودة حتى وقت قريب. في عصرنا الحديث، تم بعث نظرية أناكساغوراس وإعادة النظر فيها، مما يدل على استمرارية تأثيره الفكري.

google-playkhamsatmostaqltradent