ليبنتز فيلسوف الذرات الروحية
ليبينتز أو كما يسمى فيلسوف الذرة الروحية, ولد في ليبزج في اليوم المصادف الحادي والعشرين في شهر يونيو سنة 1646, كان والده أستاذًا جامعيًا قد بلغ من العلم نصيبًا وافرًا .
كان ليبنتز شديد الميل للأطلاع والقراءة لكافة أنواع الكتب وبمجالاتها المختلفة والواسعة, حتى أنه لشدة أطلاعه وكثرة قراءته أقترب من الالمام بكل ما أنتجه العقل البشري بحديثه وقديمه .
وكان ليبنتز أكثر الفلاسفة اعتماداً على الكتب والمطالعة في اكتساب آرائه، وهو في ذلك على نقيض سبينوزا الذي لم يقرأ كثيراً، وإنما استمد أكثر آراءه من نفسه بالتفكير والتأمل .
وبسبب كثرة قراءته وسعة أطلاعه للموضوعات المتشعبة والمختلفة, تشعب نتيجة لذلك غرضه في البحث, فتناول بالدراسة كل العلوم, لهذا كان رياضيًا وعالمًا في الفيزيقيا وكان مؤرخًا و ميتافيزيقيًا بألاضافة الى أنه كان سياسيًا .
ولم يكن أطلاعه على العلوم والمعارف بشكل سطحي وسريع, بل كانت دراسته تتصف بالتعمق والتأني في كل المواضيع التي تناولها بالدرس .
وكان يطمح من دراسته المتعمقة والمتشعبة, هو أن يجعل من الاراء التاريخية والتراث الفكري وحدة منسجمة وذلك من خلال التوفيق بين الاراء المختلفة فيما بينها و أزالة التناقضات الموجودة فيها .
كان يطمح أن يجد لغة جديدة, الغاية منها لكتابة الفلسفة بجميع أنحاء العالم, وكان أمله أيضًا هو التقريب بين الفكر القديم والفكر الحديث .
وكان يأمل أيضًا بأزالة الخلاف بين المذهب والطوائف الدينية جميعها .لذلك
ولتوجيه الملك الفرنسي وجهة أخرى تشغله عن المانيا, قد أقترح ووجهة الملك
الفرنسي لغزو مصر, وقدم لملك فرنسا مشروع يقترح عليه ذلك, لذلك كان ليبنتز
يتصف بطبيعة ميزتها التوفيق والتوحيد .
كانت في أخلاق هذا الفيلسوف دناءة وضعة, لا مبدأ له, ولم تكن غايته في الفكر والفلسفة هو البحث عن الحقيقة لأجل الحقيقة نفسها بعيدًا عن المصالح المحدودة والضيقة, حيث كان دفاعه عن الراي أو نقده لرأي, يعتمد على ماتمليه عليه المصالح الخاصة لا البحث عن الحقيقة .
من أمثلة ما يروى عن نفاق هذا الفيلسوف, أنه كان من أقرب أصدقاء سبينوزا في حياتهِ, ولكن بعد وفاة سبينوزا أنقلب بالضد منه, وصار عدوًأ لدودًا لأسبينوزا يهجو سبينوزا ويهدم أراءه .
وكان يتصف بالحقد والغيرة أيضًا, حيث بلغ به الحقد أنه قاد حملة دينية على نظرية نيوتن في الجاذبية بسبب غيرتهِ من عظمة هذا الرجل .
مقدمة عن نظرية الذرات الروحية عند ليبنتز
قبل أن نتناول نظرية الذرات الروحية عند ليبنتز, لنعود الى الوراء قليلًا, نتتبع ونلقي نظرة متسلسلة في أفكار فلاسفة ذلك العصر, بدايةً قد قسم ديكارت الوجود الى قسمين أو جوهرين (عنصرين) الاول هو الفكر والثاني هو الامتداد .
فبحسب ديكارت, فأن كل موجود في هذا الوجود, لا يعدوا أن يخرج من أحد القسمين
شعور أو مادة, وبالمعنى الواسع جسمًا أو روحًا, ولكن هذين القسمين المختلفين
المتباينين يقع وراءهما إلهًا كاملًا لانهائيًا .
هذين القسمين أو العنصرين اللذين يؤلفا الكون, كل منهما متجانس في جوهره. مهما كانت الاعراض والصفات الظاهرة متباينة ومختلفة, فأن الاجسام المادية كلها هي عنصر واحد, المكانية أو الامتداد صفته الاساسية, والعقول كذلك المنبثة هنا وهناك أيضًا كلها عنصر واحد, يكون الشعور صفته الاساسية .
فما الخلاف بين الاجسام المادية, إلا خلاف في الاعراض, كالخلاف الموجود في الشكل والحجم, وكذلك الخلاف والتباين الموجود بين العقول, هو خلاف في الاعراض فقط لا الجوهر, كألاحكام والارادة والافكار .
فأن الاجسام الفردية هي أعراض لجوهر واحد هو المكانية, وكذلك العقول الفردية هي أعراض لجوهر واحد هو الشعور .
ولكن رب سائل يسأل أذا كان هذان العنصران مختلفان في الانسان فكيف أتحدا ؟ وكيف يمكن أن يؤثر الجسم على العقل أو العقل على الجسم ؟ ديكارت لا يتردد لحظة في أقرار أن للجسم تأثير على العقل و العكس صحيح أيضًا .
لأنه لو قلنا أن مصدر أفكار العقل الواضحة قد أستمدها من الله, فهل يمكن أن نزعم هذا أيضًا مع الافكار الغامضة و الوهمية ونقول أن مصدرها الله أيضًا, إذَن لابد أن يكون مصدر هذه الافكار هو شي أخر غير الله, وديكارت يقول مصدرها تأثير الجسد على العقل .
وأذا سألنا ديكارت أيضًا كيف يتم هذا التأثير المتبادل ؟ يجيب ديكارت بأن العلاقة بين الجسم والعقل في الانسان علاقة شاذة لا تتفق مع طبيعة الاشياء .
وبحسب ديكارت أن ارادة الله هي المسؤولة و التي تتدخل في هذا الامر, فتوحد
بين هذين العنصرين المتباينين والمتناقضين, وتجعلهما تؤثر أحداهما في الاخر
.
وهل هذا الشذوذ يجري على جميع الكائنات الحية ؟ يقول ديكارت أن هذا الشذوذ لا يجري إلا في الانسان دون سائر المخلوقات .
أما بألنسبة لبقية المخلوقات فبنظر ديكارت هي أجسام مادية, وأحاسيسها مجرد لاتعدو حركات عصبية منشأها دوافع وتحركها حركات منعكسة و لايكون أثر للفكر فيها .
ثم جاء سبينوزا, وأعتبر أن تفسيرات ديكارت هي عبارة عن شذوذ في التفكير, فلو كان الكون كما يقول ديكارت هو عبارة عن جوهرين منفصلين عن بعضهما البعض ويؤثر أحدهما في الاخر, فأنه يستحيل ذلك أي أن يؤثر أحدهما في الاخر, لأنهما عنصرين مختلفين, فكيف ذلك ؟
وفق رأي سبينوزا أن أساس خطأ الفلاسفة ناشئ من سوء فهمهم لحقيقة الله, سبينوزا يقر إنه لا يوجد مادة ولا حتى فكر, ولا يوجد إله يصل التأثيرات المتبادلة فيما بينهم في الانسان, ويتركهم منفصلين في غير الانسان, في باقي أنحاء الكون .
ويوجد في الكون برأي سبينوزا حقيقة واحدة, هي ليست مادة ولا فكر, هي جوهر واحد يمثل حقيقة واحدة, عنصر واحد هو العقل وهو المادة وهو الله معًا, سبينوزا يعتبر أن الله هو العالم وليس خالق العالم .
ثم جاء بعد ذلك ليبنتز بنظرية الذرات الروحية, فكان رأيه مناقض تمامًا لموقف سبينوزا, فقد ذهب سبينوزا الى وحدة الكون ولم يفرق بين المادة والعقل, بل أعتبرهما عنصرًا واحدًا وحقيقة واحدة, ولها مظهرين تارة تبدوا مادة وتارة أخرى فكر .
أما ليبنتز فقد ذهب الى رأي يرى فيه التعدد في الكون, وبحسب ليبنتز فأن الكون يتكون من حقائق لا حقيقة واحدة, حقائق فردية لا نهاية لها, وليس الكون يتألف من حقيقة واحدة كما في مذهب الواحدية عند سبينوزا .
أن مذهب ليبنتز هذا الذي ذهب أليه أي مذهب تعدد الحقيقة الذي فصلة في نظرية
الذرات الروحية, لا يريد منه ليبنتز العودة الى رأي الذريين وفلسفتهم في
الكون, أي أن الكون مكون من ذرات مادية ليس إلا, والذرات هذه لا تسير وتتجه
نحو غاية أو هدف .
كلا, لا يريد ليبنتز بمذهبه هذا المعنى, فالكون والعالم عند ليبنتز هو كائن عاقل وحاس ومدرك وواعي الى أين يسير ويتجه .لذلك فأن نظرية ليبنتز هي ليست مناقضة لاسبينوزا فقط, بل مناقضة أيضًا مع فلسفة الذريين في وعي الكون لنفسه وسيره نحو غاية .
شرح نظرية الذرات الروحية عند ليبنتز
جاءت كل أفكار ليبنتز هذه في نظريته الذرية الروحية, والتي سنفصلها بشكل نقاط لتوضيح معناها ولو بشي من التفصيل الموجز .
-
المكون الاساسي للعالم هو الذرات الروحية, سواء ما كان منها جسمًا أو روحًا, فأنها تتكون من ذرات أولية روحية, ذرات فردية لا نهائية من حيث عددها وكيفها, وهي تختلف عن العنصر الذي فرضه سبينوزا جوهراً للكون بأنها ذرات فردية لا نهائية من حيث عددها وكيفها .
-
للذرة الروحية خاصتان:
فهي في آن واحد شاملة للكون ومنعزلة عنه .
-
ويعزو ليبنتز إلى هذه الذرات نوعاً من الإدراك يختلف عن إدراك الكائنات المفكرة، أي أن هنالك درجات من الإدراك لا نهاية لها، فيكون ضئيلاً في أدناها مرتبة، ثم يتسع ويزداد قوة ووضوحاً كلما صعدنا نحو الإنسان فالله .
- أنه لا يعترف بوجود المادة الميتة غير المدركة؛ إذ يعتقد أن أجزاء المادة جميعاً ضروب من الأحياء تختلف في كمية الحيوية والتفكير، وبعبارة أخرى فإنه يقول إن هناك درجة من الإدراك الصحيح الكامل .
- ثم يأخذ هذا الإدراك في النقص والغموض كلما نزلنا في سلم الكائنات، وكلما كان إدراك الذرة واضحاً وتصويرها للكون دقيقاً كانت أكثر حيوية وأعظم نشاطاً .
-
والله وحده هو القادر على أن تكون له إدراكات واضحة لا يشعر بها شيء
من غموض أو ما يشبه الغموض، وإذن فهو وحده عبارة عن فاعلية خالصة ونشاط
مطلق، وكل مخلوق سواه من الإنسان فنازلا إلى أحط الكائنات, يكون فعالاً
من ناحية ومنفعلاً من ناحية أخرى .
- هذا الجانب المنفعل من الذرة، أي الجانب السلبي منها، هو ما يسمى بالعنصر المادي، أي أن وجود المادة السلبية في الذرة الروحية هو الذي يحول دون وضوح إدراكها .
-
وليست هذه الذرات مطمئنة إلى مراتبها، راضية بمقامها، بل تسعى كل واحدة منها سعياً متواصلاً إلى السمو والارتفاع نحو الكمال لا ترضى به بديلاً, فهي دائبة أبداً، لا تدخر وسعاً لكي تحقق هذا الكمال الأسمى بأنتقالها من مرتبة إلى مرتبة، حتى تصل إلى هدفها المنشود .
-
وعلى الرغم من أن هذه الذرات الروحية مستقل بعضها عن بعض، فهي متداخلة متماسكة متصلة أشد ما يكون الاتصال، وهذا ما يسميه ليبنتز بقانون الاستمرار .ويشير ليبنتزة إلى مراحل ثلاث يجتازها المستعرض في طريقه من الكائنات الدنيا إلى طبقاتها العليا .
👈والمرتبة التالية تلك هي ذرات الحيوان، ولها فوق الإدراك ذاكرة، ولكنها لا تسمو إلى درجة العقل، وإدراكها شبيه بالأحلام الغامضة .
👈ثم تجئ الكائنات البشرية فوق تلك المرتبة، وهي التي وهبت عقلاً و شعوراً بالذات؛ ويذكر اليبنتز أن الله هو أسمى هذه المراتب جميعا، فبينما تراها تتفاوت في إدراكها غموضاً ووضوحاً, إذا يإدراكاته هو واضحة وضوحاً مطلقاً .
الخاتمة : صار واضحًا الآن معنى نظرية الذرات الروحية التي جاء بها الفيلسوف ليبنتز, وكذلك الفرق بينه وبين نظرية سبينوزا من جهة, ونظرية الذريين من جهة أخرى .