recent
أهم الموضوعات

ابن رشد

مقدمة عن ابن رشد

تلاقت في فلسفة ابن رشد مناحي الفكر العربي ، اذ رجع الى ينابيع الفلسفة الاغريقية ، فأستقصاها وشرحها وعللها بعقل نير ؛ وعاد الى جوهر الشريعة ، فمحص خوافي الآيات واستخرج احتمالاتها المعنوية ؛ ووقف على نزاع المتكلمين ؛ واستنفد مداور الجدل .

ابن رشد
ابن-رشد

وتتبع المشادة التي قامت بين العقل والايمان في الإسلام حتى جذورها ، يقلب الحقائق على مختلف وجوهها ، فيكشف عن مقاصد الفلاسفة حيناً ، ويستجلي ضلالاتهم في فهم ارسطو حيناً آخر ؛ وينفي التهم التي رماهم بها الغزالي ، ويوفق بين الحكمة واختها الشريعة ، بعد جفوة مديدة مستحكمة .

فأجتمعت في مؤلفاته خلاصة القضايا التي حركت الذهن العربي منذ تدرج نحو الفلسفة ، الى ان بلغ ذروة مطلبها ؛ واتضحت على يديه آخر الحلول التي بلغها العقل في العصر الوسيط .


أصل ابن رشد وشي من حياته

ولد ابن رشد  في سنة 1126م بمدينة قرطبة في بيت عريق , طلب العلم من أبواب متعددة, فأخذ العلوم الشرعية من ابيه, وأنصرف بعد ذلك الى الطب عند أشهر أطباء العصر في الاندلس, ودرس الفلسفة بنفسه فحصلها, وفي سنة 1153 قصد مراكش وكان عليها عبد المؤمن رأس سلالة الموحدين, وكان قد قدم إليها ليعين السلطان على إنشاء المدارس .

قصد ابن رشد مراكش مرة أخرى, وكان على عرشها أبو يعقوب يوسف بن عبد المؤمن, والذي كان أحد وزراءه الطبيب الفيلسوف ابن طفيل, حيث طلب السلطان  الذي كان نزاعًا إلى الفلسفة من ابن طفيل ان يشرح له فلسفة ارسطو, فأعتذر نظرًا لتقدم سنه وكثرة مشاغله السياسية, فعهد السلطان إلى أبن رشد بهذه المهمة وكان ذلك في حدود 1169 م .

لقي ابن رشد حظوة عظيمة, حيث أسند اليه القضاء في " اشبيلية ", ثم رفع إلى رتبة قاضي القضاة في قرطبة, وراح يتنقل بين الاندلس وشمالي افريقيا, منصرفًا إلى شرح أرسطو, والتأليف, والرد على خصومه .

بعد اعتزال ابن طفيل السياسة, أستوزر ابن رشد مكانه . ثم توفي أبو يعقوب يوسف سنة 1184 فخلفه ابنه أبو يوسف يعقوب على العرش, فأحتفظ ابن رشد بمكانته المحترمة والمقدرة, واستمر يناقش ويؤلف .

اهم مؤلفات ابن رشد وشروحه

  • مؤلفاته : التهمت النار معظم مؤلفات ابن رشد ؛ ولم يبلغنا من بعضها غير اسمائها . وشاع في الغرب اسم ابن رشد على انه الشارح الأكبر، كما يسميه دانتي في النشيد الرابع من ( جحيم ) الكوميديا الإلهية . ولا نرى سبيلاً الى ان ندون في هذا الموجز جميع مؤلفاته ، وان نقيم بها ثبتاً منظماً تبعاً للترتيب التاريخي ، لذلك نقتصر على وصف أبرزها, ونتوفر على بحث ما كان من وضعه الصميم ، واشهره في الرد على الغزالي ، والتوفيق بين الحكمة والشريعة .

ألف ابن رشد في الطب كتاب « الكليات » الذي نافس في الشهرة قانون ، ابن سينا ، ووضع في الشرع مؤلفات عديدة أشهرها ( بداية المجتهد ونهاية المقتصد )، و ( الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة ) ، ورسالة ثالثة مكملة لهما تبحث في الدين والفلسفة معاً ، هي رسالة « فصل المقال في ما بين الحكمة والشريعة من الاتصال » .

وأبرز ما خلف في الفلسفة كتاب « تهافت التهافت » الذي عمد فيه الى الرد على كتاب  تهافت الفلاسفة ، وتسفيه آراء الغزالي ، يعالجها قضية" قضية"، ويرد الدليل بالدليل ، مبيناً أقوال الفلاسفة وفساد مآخذ الغزالي عليها ، منتهياً الى تبرير ساحة الفلاسفة الالهيين ، ودفع تهمة الكفر عنهم .

  • شروحه : أما شروحه فأهمها ما تضمن شرح الفلسفة الأرسطية الذي استعان به مفكرو الغرب اللاتيني من بعد لفهم فلسفة المعلم الأول . وقد جعله ابن رشد على ثلاثة ضروب :
  1. الشرح الأصغر : لخص فيه الآراء التي يتضمنها الكتاب المشروح ، مختاراً في شرحه ترتيباً يختلف عن ترتيب الكتاب المقصود بما يراه ملائماً لإيضاح محتواه .
  2. الشرح الأوسط : تتبع فيه كتابه المعهود بالشرح فقرة فقرة ، وأورد من كل فقرة أوائل ألفاظها بحيث جاءت التعليقات فيه أطول وأوضح .
  3. الشرح الكبير : أثبت فيه الفقرات تباعاً بنصها الكامل ، وألحقها بالنظريات والتفاصيل والتعابير ، يكشف عن مراميها وخوافيها باستقصاء وعمق ، وهو شبيه بالشروح التي وضعت للقرآن ؛ وكان ابن رشد اول من أطلق هذا النمط على التأليف العلمي والفلسفي , وانك لواجد في هذا الشرح الكبير شرحين او ثلاثة لرسالة واحدة من رسائل ارسطو.

من أفكار ابن رشد

  • المادة الخالق عند ابن رشد

حدث خلاف في هذه النقطة بين المتكلمين ( علماء الكلام المسلمين ) وابن رشد, رأي المتكلمين هو حدوث المادة, أي إنها وجدت بفعل خالق, و إن الخالق له مطلق التصرف في الكون, وإنه هو السبب لكل الاحداث الحاصلة فيه, ولا توجد علاقه بين أحداث الكون ولا روابط, لأن حوادث الوجود تحدث بأمر الخالق .

أما رأي ابن رشد في هذه المسائل, فأنه يرى إن كل فاعل لفعل شي إنما يتم ذلك من خلال حركة, وهذه الحركة التي من خلالها يفعل الفاعل إنما تحتاج إلى شي لتحركهُ, وهذا الشي هو المادة .

وإن هذه المادة أبدية, وعليه أن كل جسم مادي أبديًا بسبب مادته, وعليه فأن الحركة مستمرة في الكون, ولولاها لما حدث الخلق بتحولاته المتتالية المستمرة, وأن المحرك الأول هو مصدر القوة والفعل وهو غير مختار في فعله .

 

  • الكون والخالق

واذا ما سألنا ابن رشد, كيف يسيطر المحرك الأول على هذا الكون ويديره, يضرب لنا ابن رشد في ذلك مثلًا ليبين لنا رأيهُ .

يشبه ابن رشد الحكومة الكونية التي تدير الكون بحكومة المدينة, فرغم إن الحاكم هو مصدر قوة الحكومة التي تدير شؤون المدينة والعقل المدبر لها, فأنه لم تكن له يد في كل شأن من هذه الشؤون, كذلك الخالق بألنسبة للكون, فأنه مركز دائرته ومصدر القوات التي تديره وتدبره, وإن لم يتدخل بشكل مباشر في كل جزء من أجزاء هذه القوات .

والكون غير متصل بشكل مباشر مع الخالق, والاتصال يكون بالعقل الأول فقط, والعقل الأول هو مصدر قوة الكواكب, وعليه فالسماء حسب رأي ابن رشد هي كون حي بل إنها أشرف الكائنات والاحياء, والسماء عند ابن رشد, مؤلفه من عدة دوائر هي أعضاء أصلية للحياة, وتدور النجوم والكواكب في هذه الدوائر.

والعقل الأول الذي هو منه قوة وحياة الكواكب, هو في  قلب هذه الدوائر التي تدور فيها الكواكب, ولكل دائرة منها عقل أي قوة تعرف من خلالها طريقها ومدارها, مثل ما للأنسان عقلًا يدير حياته به ويعرف طريقه, وهذه العقول التي ترتبط مع بعضها البعض ,تكون محكومة ببعضها البعض, وهي سلسلة من مصادر قوة هي التي تحدث الحركة من السماء الى الأرض .

وهذه العقول تعلم ما بنفسها وبما يحدث في الدوائر السفلى التي تبتعد عنها , وعليه فأن العقل الأول بالإضافة إلى إنه مصدر الحركة, فأنه يعلم بكل ما يحدث في العالم . 


  • علاقة الانسان بالخالق

حسب رأي ابن رشد, ان في الكون عقلان, فاعلًا ومنفعلًا, العقل الفاعل هو العقل العام والمستقل عن جسم الانسان, وهو غير قابل للامتزاج بالمادة,  والعقل المنفعل وهو عقل عكس العقل الفاعل أي إنه خاص ليس عام وقابل للفناء كأي قوى النفس الأخرى , ومن خلال أتصال العقل المنفعل بالفاعل, يحدث العلم والمعرفة .

  • الخلود

كما أشرنا في الفقرة أعلاه : يرى ابن رشد إن العقل الفاعل-العام- إنه مستقل ومنفصل عن عالم المادة, والعقل العام غير قابل للفناء, بينما العقل المنفعل-الخاص- فاني كما هو جسم الانسان, وعليه يكون العقل الفاعل خالدًا والعقل المنفعل فانيًا.

نفس الوقت لو سألنا ابن رشد ما هو هذا العقل العام ؟ لأجابنا في القول إنه العقل المشترك بين الإنسانية , بالتالي أن الخالد هو الإنسانية وحدها لا أحد سواها. بالتالي يرى ابن رشد لا توجد حياة فردية بعد الموت, ولا شي مما يقوله العامة عن حياة أخرى بعد الموت .


نهاية ابن رشد

ذكرنا في المقدمة, إنه بعد اعتزال ابن طفيل السياسية, استوزر ابن رشد مكانه, وبعد وفاة أبو يعقوب, وخلافته من قبل ابنه أبو يوسف أحتفظ ابن رشد بمكانته المرموقة.

ثم ان خليفة الموحدين حمل على الفونسو الحادي عشر , فدحره ولقب بالمنصور عقب ذلك الضفر, فغمر طبيبه ووزيره ابن رشد بالنعم, فكثر حساده في البلاط, وعندها قام المحافظون, فأوغلوا صدر الأمير عليه, ورموه بالكفر, وطالبوا بمحاكمته وقتله, وحركوا الجماهير, فانهالت الجماهير عليه بفنون التهم.

وكان المنصور يعلم ان حكم الموحدين مرتكز على رجال الدين ونفوذهم, فجاراهم خشية أن يستفحل الامر, وتظاهر بالتغير على وزيره, ودفع به للمحاكمة, وأمر بأحراق كتبه, وحوكم ابن رشد, ونفي الى أليسانه .

حتى حال الحول وسكنت الجماهير عن موضوعه, صدر العفو عن ابن رشد, واستدعي الى مراكش, فعاش في عزلة عن الناس والحياة السياسية, لكنه لم يعمر طويلًا بعد عودته الى مراكش, أذ قضى نحبه في سنة 1198 م عن عمر قارب 72 سنة, وبعد ثلاثة أشهر نقل رفاته الى مسقط رأسه قرطبة.

الخاتمة : شرح ابن رشد الفلسفة الارسطية, وعلل من الاحتمالات القرآنية ما يتجافى عن الفلسفة , وانتهى إلى إن الحكمة أخت الشريعة, ثم بين أضاليل الفلسفة المشائين, ورد عنهم تهم الكفر, التي رماهم بها الغزالي, فكان هو الغاية التي نشدتها الفلسفة الإسلامية, ونهاية مطافها .

google-playkhamsatmostaqltradent