recent
أهم الموضوعات

الباعث على الفلسفة: لماذا نتساءل؟ وما أهمية الفلسفة

أهمية الفلسفة

أجمع جلّ الباحثين في تاريخ الفكر الإنساني أن من أَجَلِّ ما تركه الإنسان من أثر يتمثل في الإبداع الفكري الفلسفي، مما يعكس أهمية الفلسفة في تطور الفكر البشري. فقد امتاز الإنسان عن غيره بفكره وقوته العاقلة المدركة، حيث لاحظ ظواهر الكون على اختلافها، فتصورها وكون له فيها رأيًا، ثم راح يبحث عن عللها وعلاقاتها مع بعضها، وعلاقته بها وتأثيرها عليه. فإن فعل الإنسان هذا، قلنا عنه إنه يتفلسف.

الباعث على الفلسفة
الباعث على الفلسفة

بمعنى أنه فكر فيما يحيط به من ظواهر ومتغيرات، محاولاً الإجابة عنها. من خلال التأمل الفلسفي، يسعى الإنسان إلى فهم عميق للحقائق المحيطة به، مما يبرز أهمية الفلسفة في تطور الفكر البشري، سواء كانت طبيعية أو معرفية أو أخلاقية. يتساءل الفيلسوف عن الجذور الأساسية للأشياء، وكيفية ترابطها مع بعضها ومع الإنسان نفسه. هذا البحث يتجاوز النظرة السطحية ويسعى إلى فهم عميق يزيل الشك ويوفر الاطمئنان للفرد.

من خلال هذا التفكير العميق، يمكن للإنسان أن يفهم تأثير أفعاله وقراراته على الآخرين وعلى العالم من حوله، وبالتالي يتسنى له التعامل مع الحياة بشكل أكثر وعيًا وتفهمًا، مما يعزز أهمية الفلسفة في تحقيق التوازن والسلام الداخلي.

في الختام، عند السؤال عن أهمية الفلسفة, نقول أن الفلسفة ليست مجرد ممارسة نظرية بعيدة عن الواقع، بل هي أسلوب حياة يمكن لكل إنسان تطبيقه لفهم ذاته والعالم من حوله بشكل أعمق وأكثر استدامة. وهذا يساعده على تحقيق الطمأنينة والنجاح في حياته الشخصية والاجتماعية.

"يتفلسف" هنا تعني البحث في ماهية الأشياء وأصولها، وما علاقتها بالإنسان وما علاقة الإنسان بها. وهذا فعل يمارسه كل إنسان راجح العقل، يعيش ويحيا بقلب وعقل ومعدة، ويعي ويدرك أن لحياته وعلاقاته وتأثيراته أبعادًا أخلاقية واجتماعية وإنسانية.

سعى الإنسان من خلال الفلسفة إلى فهم الوجود والعالم؛ فمن خلال الفلسفة، حاول الفلاسفة فهم أساسيات الوجود، مثل الطبيعة الأساسية للكون، والواقعية، والمعرفة.

  • الأخلاق والقيم: بحثت الفلسفة في القضايا الأخلاقية والقيمية، مثل الصواب والخطأ، والسعي نحو الخير والسعادة.
  • السياسة والحكم: شملت الفلسفة الدراسات المتعلقة بتنظيم المجتمع، وأشكال الحكم، وحقوق الإنسان، والعدالة الاجتماعية. 
  • الميتافيزيقا والدين: تناولت الفلسفة الأسئلة المتعلقة باللاشيء والأبدية، كما بحثت في الأسس الفلسفية للأديان والمعتقدات.
  • المنطق والعلم: ساهمت الفلسفة في تطوير المنطق والمنهج العلمي، مما أسهم في تقدم العلوم الطبيعية والاجتماعية.

بالإضافة إلى ذلك، تمثل الفلسفة نقطة ارتكاز في تطور الثقافة الإنسانية وتعزيز التفكير النقدي والابتكار في مجالات متعددة. لا تزال الأفكار الفلسفية تؤثر بشكل كبير في الفهم العميق للإنسان لذاته وللعالم من حوله، مما يبرز أهمية الإبداع الفكري الفلسفي كجزء حيوي من التراث الإنساني.

ومع مرور الأيام وتقدم الزمن، عمق الإنسان هذا المعنى، ودفع به إلى دائرة (التخصص) إلى حد قال فيه إن لفظ "الفلسفة" لا يطلق إلا على عملية (دراسة طبائع الأشياء وتعقلها عقليًا). ومهما تقلبت مفاهيم هذه العملية، يبقى السؤال الدائم المشروع: ما هو الدافع إلى التفلسف؟

الباعث على التفلسف

لقد صدق أرسطو حين قال إن الفلسفة تنبعث من الدهشة؛ فالإنسان منذ القدم وجد نفسه مواجهًا لعالم معقد ومليء بالأسرار والتحديات، وكان رد فعله الطبيعي هو محاولة حل هذه الألغاز والأسرار بواسطة التساؤل والبحث: لماذا، ومن أين، وإلى أين؟.

وهذا هو الباعث على الفلسفة، الذي جعلها تصبح لدى السومريين مثلًا "مصدر" كل حظ سعيد في الحياة. وتلك المحاولة كانت هي الفلسفة، حيث تدرجت من أمة إلى أمة أخرى، وواكبت تقدم الإنسان منذ فجر المعرفة، متداخلة مع منجزات حياته المختلفة.

وبذلك، جمعت بين الإطار (الكوني) و(الاجتماعي)، فمن سار مع الحق ربح الحياة، ومن ينبوع الحق تصدرت فضائل الإنسانية الكبرى كالصدق والأمانة والعمل الصالح. فهذه القيم هي أساس العمران. وعبر عمليًا عن هذا المعنى (الكوني - الاجتماعي) بواسطة علم الفلك، والتشريع، والعقائد. ومثل ذلك وجدناه في وادي النيل، والهند، والصين، واليونان.

فالإنسان "مفطور على حب الاستطلاع"، وهذا الاستطلاع هو "الفلسفة". يقوّي هذا الاستطلاع بزيادة حدة العقل وقوته، وسعة آفاقه، ويحثّه على طلب معرفة الحقائق الكبرى والأساسية في الوجود والحياة.

بمعنى أن البحث الفلسفي لم يقف ساكنًا مع تقدم الزمن، فلقد تجاوز حالة التأمل والنظر العقيم ليلامس جوانب الحياة العملية، باعتبار أن الفلسفة جد وشوق وراء معرفة الأسباب الكامنة في الأشياء للتوفيق بين الرأي والعمل، وهذا هو قصدنا في الحياة.

كما أن الإلمام بالفلسفة له فائدة أخرى:

  • فهو يحررنا من العادات التي تعوق الفعل الاجتماعي للإنسان، ويخلق فيه دافعًا ذاتيًا للتدقيق والفحص (العقل النقدي).
  • كذلك، يحرر العقل من البقاء أسير الآراء البدائية والساذجة، ويثير التساؤل فيه وحب معرفة الوسط (الطبيعي) و(الاجتماعي) الذي يكتنف الإنسان. 
إنها، باختصار، تختبر المبادئ التي نستخدمها في حركتنا اليومية. ولا يتحقق ذلك إلا لمن يمتلك رغبة قوية وملحة في الوصول إلى المعرفة.

فعن هذا الطريق وحده نكتشف عيوب معرفتنا العادية مثل التصديق الساذج، والميكانيكية (الآلية) في التفكير، والغموض، والتناقض، والتشوش في المواقف. ونقول باختصار شديد: ما من موقف سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي... إلا وله أسباب تربطه بنظرية فلسفية عميقة.

بمعنى أن الفلسفة لم تنشأ بمعزل عن منجزات الإنسان العقدية والعلمية والحضارية. ولا يمكننا أن نفهم تلك المنجزات إذا لم نتابع الذخيرة الفلسفية للمجتمعات المختلفة. ألم يكن تاريخ الفلسفة (على رأي هيغل) هو تعبير عن تاريخ العقل والوجود، ومنطقها هو القانون المثلث الذي يحكم تجليات العقل في عالم الطبيعة، فكانت النظم الاجتماعية والفنون والأديان والعلوم؟

فالفلسفة، إذن، ملتصقة بالحضارة، وإن الحضارة نفسها وليدة الفلسفة. مثلما كانت سببًا في تولد الفلسفة، فإنه من غير الممكن تصور قيام حضارة أصيلة دون فلسفة بمستواها، إلى الحد الذي دفع جون ديوي إلى اعتبارها قوة تاريخية حاسمة تقترن بكل تغير يطرأ على الحضارة. واختلاف الحضارات على هذا الاعتبار متأتٍ من الاختلافات الفلسفية التي تنشأ بموجبها.

google-playkhamsatmostaqltradent