أرستوفان (446 - 386) ق.م مؤلف مسرحية السحب
أرستوفان وسوفوكليس هما اثنان من أعظم كتّاب الأدب التمثيلي في اليونان القديمة. سوفوكليس كان زعيماً في كتابة التراجيديا (المأساة)، بينما كان أرستوفان رائدًا في الكوميديا (الملهاة).
ارستوفان-مؤلف مسرحي كوميدي |
في بدايات الأدب اليوناني، كان التركيز الأكبر على التراجيديا، حيث كانت تحمل قيمة عالية بين الشعب. على النقيض، كانت الكوميديا تعتبر مجرد وسيلة للتسلية والمرح، ولكن مع مرور الزمن، أصبحت جزءًا مهمًا من الفنون المسرحية اليونانية.
أرستوفان لم يكن أول من أبدع في كتابة الكوميديا، إذ يُعتقد أن الكوميديا اليونانية جاءت من صقلية، لكنها ازدهرت في أثينا بفضل الديمقراطية والحرية التي سمحت للكتّاب بأنتقاد السياسة والأخلاق بحرية تامة.
ورغم ذلك، في عام 440 ق.م، صدر قانون يقضي بمنع الانتقادات الشخصية، ولكنه أُلغي بعد ثلاث سنوات، ما أعطى للكوميديا اليونانية مجالًا أكبر للنمو والانتشار.
حياة أرستوفان كانت مليئة بالتحديات السياسية والاجتماعية. وُلد حوالي عام 450 ق.م، ويُعتقد أنه تأثر بالحروب التي خاضتها أثينا ضد إسبرطة، ما جعله يفضل السلم على الحرب في معظم أعماله.
ورغم أنه كتب حوالي 40 مسرحية، لم يبق منها سوى 11. تميزت هذه المسرحيات بأسلوبها الفريد الذي يجمع بين الفكاهة والنقد اللاذع للسياسة والحياة اليومية.
أعمال أرستوفان لم تقتصر على السياسة فقط، بل كانت تتناول أيضًا القضايا الاجتماعية والفلسفية. في مسرحيته "السحب"، سخر من الفلاسفة، وفي "السلام"، دعا إلى إنهاء الحروب. أعماله لم تخلُ من الجرأة، حيث انتقد الآلهة والأديان بشكل ساخر، ما كان يعكس روح المجتمع الأثيني في ذلك الوقت.
رغم أن مسرحيات أرستوفان كانت تتمتع بالفكاهة والبذاءة أحيانًا، إلا أنها عكست صورة واقعية للحياة في أثينا. لقد كان جمهور المسرح يتكون من أشخاص من مختلف الطبقات الاجتماعية، ما دفع أرستوفان إلى تقديم أعمال تناسب ذوق الجميع، من الفكر الفلسفي إلى النكات البسيطة.
يُعتبر أرستوفان اليوم واحدًا من أعظم كتّاب الكوميديا في التاريخ، حيث لم تقتصر أعماله على مجرد الترفيه، بل كانت وسيلة لنقد المجتمع والسياسة بأسلوب فكاهي ذكي.
سقراط و مسرحية السحب
يكفي قبل الكلام بأي شي عن سقراط, التذكير بأن أسمه شطر الفلسفة اليونانية شطرين, فلسفة ماقبل سقراط, وفلسفة مابعد سقراط , وكان له من المعجبين والاعداء في آنٍ واحد .
على الرغم من كون سقراط شيخ الفلاسفة وزعيمهم, إلا إنه لم يترك لنا من فلسفته شيًا مكتوبًا, ولذلك يواجه المؤرخون كثير من العناء والجهد عندما يبحثون عن فلسفة سقراط .
توجد مصادر أربعة لفلسفة سقراط :
- المرجع الاول محاورات أفلاطون : حيث نلتمس عند أفلاطون ترجمة لسقراط, أفلاطون هو التلميذ الامين لسقراط, الذي لازمه وقت طويل, بألاخص السنوات العشرة الاخيرة من حياة سقراط .
- المرجع الثاني مذكرات زينوفون : وكان هذا قائدًا, أتصل بسقراط, ولكنه لم يحضر محاكمة سقراط, دون مذكرات يقصص فيها أخبار أستاذه ومدافعًا عنه, علمًا أن هذا المصدر يهمل من قبل الكثير, لأسباب منها منها أتهامه بمجافاة الروح الفلسفي وتفاهة التفكير .
- المرجع الثالث مسرحية أرستوفان المعرفة بأسم السحب : مسرحية السحب لأرستوفان هي موضوع مقالتنا هذه, للشاعر الاغريقي أرستوفان (446 - 386) ق.م .
- المرجع الرابع ما يذكره أرسطو عن سقراط : بالرغم من أن أرسطو لم يكن معاصرًا لسقراط, إلا أن الفارق لم يكن كبيرًا بينهما, كما أن أرسطو ليس ممن يتهم في روايته, لذلك تعد كتاباته عن سقراط مصدر معتد به .
مسرحية السحب "المسرحية التي قتلت سقراط"
قد أستطاع ارستوفان أن يؤثرفي الجمهور الذي يحضر لمشاهدة تمثيلياته على أختلاف مستوياتهم في الثقافة, وهذا ما يعكس مقدار أمكانياته, كانت أهدافه الخلقية غاية في السمو, فكان يهدف في مسرحياته الى أصلاح المفاسد التي وقع بها الشعب, ويود أن يعود الشعب الى الصفاء القديم الذي كان يتمتع به .
مسرحية السحب لأرستوفان |
وهو يحدد مفاسد ثلاث كانت هي بمثابة العلة في أنحلال المجتمع الاثيني وأفساد الشباب, وهذه المفاسد هي المجالس النيابية, والاجتماعات العامة, وتعاليم السفسطائيين, وأتخذ منهج تذكير الشعب بالفضائل التي كانت عند السلف في مقابل العبث الموجود عند الخلف السبيل لمحاولة العلاج .
ونجد نقده وأراءه واضحة في مسرحية السحب والتمثيليات الاخرى, ولكن سنركز هنا على مسرحية السحب, التي يهاجم فيها ارستوفان على سقراط والسفسطائيين والتربية الحديثة .
وهو لا يهاجم أو ينتقد لدوافع شخصية أو مصالح ضيقة, بل كان ينتقد نقدًا عامًا, لذلك نجد أنه يمدح أحيانًا من صفوة الادباء والمثقفين والفلاسفة, القدماء منهم أو الحديثين .
وأحدهم أفلاطون الذي يسوق اليه المديح بعد وفاته, رغم أن ارستوفان هاجم سقراط في مسرحية السحب مهاجمة عنيفة, إلا أن سقراط لم يغضب منه, حيث كان حاضرًا في التمثيلية, ويروي أفلاطون أن أرستوفان وسقراط خرجا من بعد هذه التمثيلية صديقيين .
أكبر الضن أن هذه الملهاة أي مسرحية السحب ستكون فيما بعد هي السبب في أعدام سقراط, حيث تفاعلت هذه الملهاة على مر الزمن وأشاعت عن سقراط التهمة الغير حميدة التي قدم من أجلها للمحكمة .
وقد تمت محاكمة سقراط بعد عرض مسرحية السحب بنحو خمس وعشرين سنة، ووجهت له تهم شبيهة بالتي ألصقها به أرستوفان في مسرحية السحب، فقد اتهم بأنه يفسد الشباب بأفكاره وتعاليمه التي تنافي التقاليد المحافظة، كما اتهم بأنه لا يُؤْمِن بآلهة الإغريق الوثنية، واستطاع سقراط بقوة حجته أن ينفي عن نفسه التهم التي وجهت إليه في هذه المحاكمة، ومع ذلك فقد حكم عليه بالموت .
ولا شك أن نظرة أرستوفان المحافظة كان لها دور في أن يلحق سقراط بالسوفسطائيين في مسرحية السحب، على الرغم من أن سقراط لم يكن منهم، فهو لم يكن يتلقى أموالاً على تعليمه لمن يعلمهم، ولم يكن يعلم الناس الجدل؛ ليعرضوا حججهم، ويقهروا مخالفيهم بالحق أو بالباطل، كما كان يفعل السوفسطائيون .
ولكن سقراط تشابه مع السوفسطائيين في الاهتمام بالإنسان، والحرص على التأمل، والقدرة على النقاش والحوار، وكل هذا جعل من أرستوفان، وبعض المثقفين وغفيرًا من العامة يمزجون بين سقراط والسوفسطائيين.
قيمة مسرحية السحب
أغلب المؤرخين يغفلون أرستوفان ، ولا يعدونه مصدراً لفلسفة سقراط ، لأنه يعده من السفسطائيين ولم يكن كذلك ، ويجعله صاحب مدرسة ولم يعرف أنه افتتح مدرسة، وأنه كان يتناول أجراً على التعليم والمأثور امتناعه عن أخذ الأجر ، وأنه كان يبحث في الأمور الطبيعية والمعروف أن سقراط انصرف عن الطبيعة إلى البحث في الإنسان، ولذا قيل : إنه أول من أنزل الفلسفة من السماء إلى الأرض .
ولا ريب فى أن الشاعر بحكم صناعته مضطر إلى تحوير الوقائع حتى تلبس الثوب الذي يريده ، إلا أن هذا التحوير لا يعقل أن يكون تاماً بحيث يغير من شخصيته ، مثل محبة البحث ، وروح الفكاهة ، وغرابة الأطوار ، والتصدى للتعليم ، والسخرية من الآلهة اليونانية .
ومع هذا كله فمسرحية السحب مصدر من مصادر سقراط ، فهي على أقل تقدير تبين لنا السر فى محاكمته بعد ذلك بتهمة إنكار الآلهة .
تفاصيل مسرحية السحب
سنكتب نص مسرحية السحب بتصرف منا بشكل مشاهد لتبسيطها ولأضافة المتعة في قراءتها .- ستربسياديس: قروي، محاط بالديون ويحاول التخلص منها.
- فيديبيس: ابن ستربسياديس، شاب محب للخيول.
- سقراط: فيلسوف ومدير مدرسة السفسطة.
- الجوقة (تمثل السحب): مجموعة من النساء يرمزن للسحب، يشاركن في الحوار ويعلقن على الأحداث.
- الدائنون: مجموعة من الأشخاص يطالبون ستربسياديس بديونه.
- الخادم: خادم ستربسياديس المخلص.
- يظهر ستربسياديس جالسًا في منزله، يتنهد بعمق ويظهر عليه القلق, فيديبيس يدخل متحمسًا وهو يمسك بلجام حصان.
- ستربسياديس:
(بصوت حزين) آه، يا فيديبيس! لقد ضقت ذرعًا بالديون. كل هذا بسبب حبك المفرط للخيول والسباق. كم أنفقتُ من أموال على هذه الهواية! والآن، تحاصرني الدائنون من كل جانب.
- فيديبيس:
(مبتسمًا) لا تقلق يا أبي! .
- ستربسياديس:
(بعصبية) كيف لا أقلق؟ وأنا مفلس يا بني! يجب أن نفعل شيئًا قبل أن يقبضوا عليّ. هل ستساعدني أم ستستمر في هذا الجنون؟
- فيديبيس:
(بتكاسل) ليس لديّ رغبة في غير الخيل والسباق .
- ستربسياديس:
(يقترب منه) هناك طريقة واحدة للخلاص. عليك أن تذهب إلى مدرسة سقراط، تتعلم فن الجدل، وتقنع الدائنين بأنني لست مضطرًا لسداد ديوني .
- فيديبيس:
(متعجبًا) مدرسة سقراط؟ فن الجدل؟ ما لي ولتلك الأمور؟ .
- يدخل ستربسياديس إلى المدرسة، حيث يظهر سقراط يجلس بين كتبه. الجو في المدرسة مليء بالدخان والسحب.
- سقراط:
(بهدوء) مرحبًا بك، أيها الغريب. ما الذي جاء بك إلى مدرستي؟
- ستربسياديس:
(بتوتر) جئت أتعلم فن الجدل. ابني رفض المجيء، لذلك قررت أن أتعلم بنفسي كيف أخدع الدائنين وأتملص من ديوني.
- سقراط:
(يبتسم بتهكم) حسنًا، ولكن العلم هنا ليس بالأمر السهل. سيتطلب منك وقتًا وتركيزًا.
- يبدأ سقراط بتدريس ستربسياديس، ولكنه يجد صعوبة في استيعاب الدروس.
- ستربسياديس:
(منزعجًا) هذا معقد! لا أستطيع فهم شيء. ربما كان الأفضل إرسال فيديبيس.
- يعود ستربسياديس إلى منزله بعد فشله في التعلم. يجبر ابنه على الالتحاق بمدرسة سقراط. فيديبيس ينجح في تعلم السفسطة والجدل.
- الدائنون يدخلون للمطالبة بديونهم .
- الدائن الأول:
(غاضبًا) أين المال يا ستربسياديس؟ حان وقت السداد!
- ستربسياديس:
(واثقًا) لن أعطيكم شيئًا! ابني، فيديبيس، سيدافع عني.
- فيديبيس:
(يبتسم بسخرية) آه، الديون. لماذا يدفع الإنسان ما لا يرغب في دفعه؟ ويهمس بداخل نفسه, يمكن للباطل أن يكون حقًا إن أحسنتَ الجدال.
- يبدأ فيديبيس بالجدل مع الدائنين مستخدمًا السفسطة، وينجح في إقناعهم بعدم استحقاقهم للمال.
- بعد الانتصار في الجدل مع الدائنين، يبدأ فيديبيس في التصرف بوقاحة. ستربسياديس يخرج من البيت متألمًا بعد أن ضربه ابنه.
- ستربسياديس:
(يصرخ) هذا ليس ما أردته! لقد أردت أن تساعدني، وليس أن تضربني!
- فيديبيس:
(ببرود) أبي، ألم تكن تضربني عندما كنت صغيرًا؟ إنه دوري الآن لتعليمك ما هو الصواب.
- الجوقة تدخل وتبدأ في الجدال مع فيديبيس حول حقه في ضرب أبيه.
- الجوقة:
(بحدة) كيف لك أن تضرب والدك؟ هذا أمر لا يُغتفر!
- فيديبيس:
(بثقة) لقد ضربني ليعلمني، والآن أضربه لنفس السبب. إنه حقٌّ مكتسب.
- الجوقة تنظر لبعضها البعض في حيرة، ولكنها تستمر في الاستماع له، وتتأثر بحججه المغلوطة.
- وعند ذلك يعلن ستربسياديس أنه كان مخطئًا عندما دفع ابنه ليتعلم الخطابة والجدل في مدرسة سقراط، وانتهى إلى أنه كان من الأفضل لابنه لو ظل محبًّا للخيل، وإن كلفه هذا الأمر كثيرًا من النفقات والديون.
- ستربسياديس:
(بغضب) هذه المدرسة التي علمت ابني السوء لن تبقى !
- يقوم ستربسياديس وخادمه بحرق المدرسة، بينما يتراجع سقراط بعيدًا.
- ينتهي المشهد وسط نيران مشتعلة وأصوات الجوقة تردد أغاني السحب.
أنتهت المسرحية ❕
الحقائق المستنتجة من مسرحية السحب
- أن سقراط كان صاحب مدرسة ثابتة .
- أنه يعد من السوفسطائيين .
- أنه يتناول أجراً على التعليم .
- أنه ينكر آلهة اليونان القديمة .
- أن تعاليمه أفسدت هذا الشاب إلى درجة أنه أساء فيما بعد في حق والده .
أما مكانة هذه المسرحية من تاريخ الفلسفة ، ومن سقراط بوجه خاص ،فلا ينبغى أن نأخذ ما جاء فيها على أنه الحق كل الحق . ولكن لا ريب في أن هناك شيئاً من الحقيقة أعتمد عليها أرستوفان في وضع هذه التمثيلية ، ثم أخرج الحقائق أو أضاف إليها شيئاً من الخيال والفكاهة لتلائم هذا اللون من التمثيل الذي اعتمد عليه أرستوفان .
- أولا شهرة سقراط في أثينا، فلا ريب أن اختيار أرستوفان لهذه الشخصية دليل على أنها عنوان الفلسفة .
- الحقيقة الثانية أن سقراط كان يعلم صناعة الكلام كالسوفسطائيين غير أن أرستوفان يصوره أنه يميل إلى جانب الباطل ، والحقيقة أنه كان يميل إلى جانب الحق ، أو يطلب الحق ،
- في الوقت نفسه طريقة سقراط واضحة في هذه التمثيلية وهى طريقة الحوار ، والسؤال والحواب .