recent
أهم الموضوعات

الفلسفة هي النظرة الى العالم

الفلسفة هي النظرة الى العالم

الكثير منا يعتقد أن الفلسفة هي المعرفة, أو بناء المعرفة, أو محاولة اكتشاف الحقيقة, ولكن الفلسفة هي النشاط الذهني بحد ذاته تجاه الحقيقة , أي أن الفلسفة هي النظر الى الحقيقة لا الحقيقة الحاصلة من النظر, أي أن الفلسفة هي النظرة لا الصورة الحاصلة من النظرة .

الفلسفة هي النظرة الى العالم
الفلسفة هي النظرة الى العالم

هل سبق لك أن تأملت من على مبنى مرتفع يطل على مدينة, كأن يكون شباك أحد غرف الفندق, أو من قمة جبل, أو أي مكان مرتفع أخر, يوفر زاوية رؤيا أكبر و أشمل لهذه المدينة .

بالطبع ستوفر زاويا الرؤيا هذه صورة أعم وأشمل وأكثر جمالية لصورة المدينة, هل لازلت تحتفظ بهذه الصورة في ذاكرتك وقادر على استحضارها بذهنك .

ثم بعدما رجعت من سفرك وقصصت لأحد أصدقاءك عن جمال هذه المدينة, والصورة التي تمتعت بها من زاوية هذا المكان المرتفع الذي وفر لك زاوية رؤيا أوسع .

السؤال الآن كلاكما أنت وصديقك, أصبحت لكما معرفة عن صورة المدينة من الاعلى, أنت صورة مباشرة حصلت عليها من الرؤيا المباشرة وبتجريتك وأحساسك ووعيك, وصديقك صورة تلقاها منك بالتلقين .

وأذا سألتك ما الفرق بين معرفتكما, وقد أصبح لكلاكما صورة واحدة للمكان نفسه, فالجواب لا يوجد فرق في الصورة النهائية عند الاثنين .

والفرق الوحيد هو طريقة الحصول على الصورة , الرؤيا والتلقين, أذا أصبح لدينا :
  • نظرة وصورة حاصلة بشكل مباشر للشخص المسافر .
  • صورة حاصلة بالتلقين للصديق .
 
هل لك أن تتخيل الآن نفس المثال السابق, ولكنك لا تنظر الى مدينة, بقدر ما تنظر نظرة عقلية الى العالم ككل .

وصورة العالم هي نتيجة طبيعية ملازمة لهذه النظرة, ولرب سائل يسأل : أين الفلسفة من هذه الاشياء ؟

ما هو الشي الذي يمثلها , أن النظرة من بين هذه الاشياء هي من يمثل الفلسفة, وهي الفلسفة بحد ذاتها, فالفلسفة هي النظرة الى العالم, لا الصورة الحاصلة من النظرة الى العالم, أي أن الفلسفة هي النشاط لا المعرفة الحاصلة بالنشاط .

وهذه هي لذة الفلسفة ومتعتها, أنها ممارسة النظرة أو النشاط لا النتيجة الحاصلة لهذه النظرة ( الصورة ) أو التفكير ( المعرفة : بناء المعرفة ) .

أن الفلسفة هي النظرة الى العالم, لا الصورة التي تعطيها لنا هذه النظرة, وهناك فرق بين النظرة والصورة .

أذا الفلسفة هي نشاط أو نظرة , وليست هي المعرفة أو بناء المعرفة, وإنما المعرفة تكون نتيجة طبيعة ملازمة لهذه النظرة, أي أن الصورة الحاصلة او المعرفة الحاصلة تصبح نتيجة طبيعة ملازمة لهذه النشاط , وأن الفلسفة هي النشاط بعينة لا النتيجة الحاصلة من النشاط .

وإلا لو كانت الفلسفة هي المعرفة أو بناء المعرفة , لأكتفينا من ممارسة التفلسف ونحصل على المعرفة مباشرة من خلال تلقينها من الفلاسفة العظماء الكبار الذين سبقونا .

وهذا هو المعنى العميق للفلسفة فهي نشاط ذهني أو نظرة ولكنها عقلية لا حسية للعالم, والمعرفة ستكون النتيجة الملازمة لهذه النظرة .

ولهذا السبب تختلف المعارف الحاصلة من الفلسفة الى توجهات ومذاهب ورؤى, لأنها حصيلة نظرات من زوايا مختلفة للعالم, فكل فيلسوف ينظر من زاويته المتاحة .

لذلك من المهم هنا للفهم العميق للفلسفة, تسليط الضوء على النشاط الذهني الانساني, لأنه هو الذي يتضمن التفلسف أو الفعل الفلسفي .

والسؤال الآن, أن هذه الصورة التي أنتجها لنا الفيلسوف عن العالم, هل هي محاولة الحصول على الحقيقة الموضوعية الخارجية , أي هل هي انطباع الحقيقة الخارجية على الذهن الانساني, أم أنها عملية عكس لحقيقة موجودة أصلًا في الذهن ومحاولة اصطفاءها على الخارج .

أي هل أن المعرفة ( الحقيقة ) التي هي النتيجة للتفلسف ( النشاط : النظرة ), هي حقيقة موضوعية تقع في الخارج, والعقل يحاول الحصول عليها من خلال هذا النشاط, أم أنها موجودة في العقل الانساني, وبالنشاط الذهني يحاول العقل إضفاءها على الخارج .

فهمنا أن الفلسفة هي نشاط ذهني ونظرة للعالم الخارجي , ولكن هذا النشاط هل يتضمن أرسال أو أستلام, هل هو أستلام للحقيقة من الخارج, أم أرسال للحقيقة من الداخل( العقل ) .

أين تقع الحقيقة, هل موطنها العقل, أم الخارج, انقسمت أراء الفلاسفة الى أتجاهين متناقضين تمامًا .

  • الموقف الاول : المثالية, ويرى أن موطن الحقيقة"الوجود" هو العقل"الذهن", وما الكون إلا عبارة عن أفكار وصور عقلية, حيث أن الاولوية في هذا المذهب الفلسفي للعقل .

ويعتبر هذا المذهب العقل هو أساس المعرفة, وهو الحقيقة النهائية, وما الواقع (المادة) في هذا المذهب إلا شي ثانوي, أو مظهر تتبدى فيه الروح( العقل) , فمثلا كان أفلاطون يرى أن العالم هو وجود عقلي, والافكار تمثل مثل أو نماذج للموجوات المادية, بالتالي عدم وجود الافكار, يعني عدم وجود الواقع لأن وجوده قائم عليها .

  • الموقف الثاني: الواقعية, ويرى أن موطن الحقيقة هو الواقع, حيث ينكر أصحاب هذا الرأي أرجاع الكون الى الذهن أو الفكر, وهذا يعني أن للكون وجودًا مستقلًا أو واقعيًا , لا يتوقف وجوده على الادراك أو الوعي, ويقال هذا اللفظ في مقابل المثالية .

وبغض النظر عن موطن الحقيقة, كان العالم الخارجي أم الذهن, فأن الفلسفة هي نشاط ذهني يسلط تجاه هذه الحقيقة, أي هي نظرة العقل الى الحقيقة والاقتراب منها, بألتالي أن الفلسفة هي النظرة لا الصورة .

يقول الفيلسوف الفيلسوف البريطاني وعالم المنطق والرياضي بير تراند راسل "إن الفلسفة ليست شيئًا تتعلمه، بل هي نشاط ذهني يمارس من أجل المتعة والتنوير. إنها ليست دراسة حقائق ثابتة أو اكتساب مهارات عملية، بل هي رحلة استكشافية لعالم الاحتمالات" .

بألتالي أن الفلسفة هي نشاط وطريقة تفكير, تجاه مواضيع الوجود الاعم, لا التفاصيل الجزئية, حيث تترك هذه التفاصيل الجزئية الى العلم, بحقوله المختلفه, هو الذي يهتم فيها .

الخاتمة : وهذا هو المعنى الذي يجعل من الفلسفة, أسمى أنواع الفكر, فالفلسفة هي دعوة لكل البشر للنظر والتفكير بعقولهم الى هذا العالم ومحاولة أدراكه وفهمه بدلًا من أخذ معناه بالتلقين, وهذا ما يجعل من الفلسفة مطرقة هدم لعروش البعض, الذين يخافون النور والفكر الحر, ويرغبون ببقاء عامة الناس في منطقة الجهل .

google-playkhamsatmostaqltradent