التفكير المنطقي عند الانسان
بدأ التفكير المنطقي مع بدء الإنسان تخليه عن النزعة الأسطورية في تفكيره، وأرتقائه بهذا التفكير من المرحلة الارتجالية إلى مرحلة أخرى تتسم بالمنهجية والوضوح، يسعى من خلالها الفرد العاقل الانتقال من معلوم مثبت إلى معلوم آخر يريد إثباته، أو من معلوم مثبت إلى مجهول يريد تعيينه وأستيضاحه انتقالاً صحيحاً مؤسساً على قواعد ومبادئ محددة ومرتبة.
مقدمة عن المنطق الرمزي |
ومنذ وجد المنطق بوصفه علماً ، خضع موضوع دراسته لتحولات عميقة, فالمنطق يتميز بسمة خاصة، لأنه لا يدرس عالم الطبيعة الموضوعي، ولا عالم الانفعالات الذاتية، ولكنه يدرس الفكر بوصفه وسيلة يستخدمها الإنسان لمعرفة العالمين, وموضوع المنطق إذن هو دراسة أشكال وقوانين الفكر ذاته .
ومنذ عَمَدَ الإنسان إلى ابتداع حيل اقناعية، تستند في ظاهرها إلى حجاج عقلية منسوجة على نحو منهجي منظم، لا يفتىء المرء حيالها إلا أن يسلم بصحتها، منذ ذلك الحين بدأت إشراقات علم جديد تلوح في أفق المعرفة البشرية, فظهر المنطق أول ما ظهر داخل إطار فن الخطابة بأعتباره نظرية البلاغة .
وقد كانت بداياته كذلك سواء في الهند والصين القديمتين أو في اليونان القديمة أو روما أو روسيا... وهكذا نرى أن المنطق في البداية كان يعتبر وسيلة للتأثير في النفوس، وللبرهنة على سداد هذا السلوك أو ذاك, وظل المنطق داخل فن الخطابة وجهاً تابعاً، يستهدف الوصول إلى الحقيقة بدرجة أقل من استهدافه إقناع السامع .
بعد تلك المرحلة التي أختصت لنفسها موضوعاً وغرضاً للمنطق، جاءت مرحلة أخرى أحتل فيها المنطق بؤرة العمل الفلسفي من قبل ثالوث الفكر اليوناني، الذي أرسى سقراط قاعدته، ودعمها أفلاطون، ثم جاء أرسطو على قمته ليضع أسس علم المنطق، ويضع مفهوماً جديداً لموضوعه والغرض منه .
وهو كونه آلة وأداة للعلم والفلسفة، تقدم المبادئ والقوانين التي يجب أن يؤسس عليها كل فكر صحيح، ذلك المعنى الذي أكده تلامذته وشراحه من بعده عندما أطلقوا كلمة " أورجانون " على إنتاجه المنطقي، والتي تعنى الآلة أو الأداة.
حيث وضع أرسطو علم المنطق كعلم مستقل, ووضع أسسه ومبادئه, وقدم لنا أرسطو مبادى علم المنطق, في مجموعة كتب أطلق عليها الاورجانون كما ذكرنا أعلاه, حيث تحتوي هذه المجموعة, كل أسهامات أرسطو في علم المنطق .
وبناءً على ذلك، بدأ المنطق يلعب دوراً مهماً في المناقشات العلمية, وقد توطدت دعائم المنطق بصفته علماً للفكر يؤدى إلى الحقيقة عبر أنواع من الصراع من السفسطة بتأرجحاتها وألاعيبها اللفظية. وفرض المنطق نفسه وفقاً لوجهة النظر هذه باعتباره أحد عوامل تطور العلم والفلسفة، يقدم أساساً لقضاياهما ويدحض النظريات الخاطئة .
وفي الحضارة الإسلامية أتى المنطق على رأس العلوم المنقولة من اليونان، وحظى بما لم يحظ به علم منقول آخر بالدراسة والشرح والتعليق وأصبح لا يوثق بعلمه من لم يدرس المنطق، بل صار ميزاناً للعقل ومعياراً للعلم عندهم، وهو بالطبع على عكس ما آل إليه المنطق في الغرب المسيحي بعد ذلك .
ولكننا نجد عند فرنسيس بيكون في العصر الحديث مفهوماً جديداً لموضوع المنطق، فلم يعد المنطق أداة لتقرير الحقيقة، ولكنه أصبح يُسدى العون للوصول إلى اكتشافات علمية جديدة. ويرى بيكون أن الجانب الأساسي من المنطق يتناول منهج البحث العلمي الذي يقدم للباحثين وسائل اكتشاف حقائق جديدة . فتاريخ المنطق يضع أمامنا إذن مفاهيم متعددة لموضوع دراسته ولغرضه .
يعد اندماج المنطق في علوم أخرى مثل الرياضيات - ودراسته من منظور بيني interdisciplinary-, أحد أبرز المقومات التي عبرت بالمنطق من التقليدية إلى الحداثة, بات من المعروف أن أحد أبرز المجالات التي طبق فيها علم المنطق هو علم الرياضيات .فبالعودة إلى أصول المنطق الرياضي، نجد أن حدوث أزمة الرياضيات، وإدراك الرياضيين إلى حقيقة أن السبيل لمعالجة الخلل الموجود في الأنساق الرياضية الجديدة هو البحث في أسس الرياضيات، وردها إلى أصولها المنطقية، قد أنشأ ما يسمى عند الرياضيين "أسس الرياضة" بينما تسمى عند الفلاسفة والكثير من الرياضيين أيضاً "فلسفة الرياضة" .
وكان نتيجة لتضافر جهود المناطقة من جهة وعلماء الرياضيات من جهة أخرى في دراسة الأسس المنطقية للرياضيات أن نشأ ما يسمى المنطق الرياضي Mathematical Logic أو المنطق الرمزي Symbolic Logic .
بدايات المنطق الرمزي
أما عن بدايات المنطق الرمزى، فيُؤرخ عادةً لشروق مرحلة فكرية معينة، وأفول أخرى، بظهور إنتاج علمي معين، يحمل بداخله النواة الأولى لهذه المرحلة، ويُشكّل الأساس الذي تنطلق منه كل التطورات اللاحقة.
وفيما يخص المنطق الرمزي Symbolic Logic ، فإن ظهور كتاب "التحليل الرياضى للمنطق" عام 1847م للرياضي والمنطقى جورج بول (1815-1864)، قد شكل نقطة البدء لسلسلة من الدراسات، تضافرت فيها جهود المناطقة مع الرياضيين، والتي ما لبثت أن أفرزت فلسفة الرياضيات Mathematical Philosophy، ومن بعدها المنطق "الرياضي" Mathematical Logic، كما أسلفت القول .
وبتلاحق الأحداث، وبتلاقح الأفكار، تتنامى المعرفة، والتي ربما ينجم على إثرها تغاير في المنظور الذي نتناول من خلاله قضايانا الفكرية.
وعلم المنطق في مجمله لم يخرج عن هذا الإطار، فالمنطق الرمزي - وهو المسمى الذى يطلق على هذا العلم حاليا - بدأ يأخذ مجراه الحقيقي في تاريخ الفكر الحديث والمعاصر، بظهور كتاب مجمل المنطق الرمزي عام 1918 للمنطقى كلارينس ايرفنج لويس C.I.Lewise.
فلقد اتجه المنطق الرمزي الجديد اتجاهاً جديداً بالمرة، حيث اشتق وجوده على أساس الصورية الأرسطية الخالصة، وصار المنطق الرمزي يمثل تطوراً فلسفياً في ملامح التحول العامة للمنطق، بدلاً من الخضوع لأتجاهات الرياضة في نزعاتها ونزواتها على نحو ما جرى من قبل عند إخضاع المنطق للرياضة في إبان القرن العشرين. وبهذا تحولت نظرة الفلاسفة إلى المنطق الحديث من دخيل رياضياتي إلى ربيب فلسفي .
ولقد انبثقت ريادة ومحورية المنطق الرمزى بالنسبة إلى العلوم المختلفة - ومن بينها الرياضيات والذكاء الاصطناعى - من حيازته لما يلي:
- لغات اصطناعية رمزية متعددة ومتنوعة
- أنساق استنباطية
- آليات لاختبار صحة الحجج المنطقية
وسيأتي عرضنا في المقالات اللاحقة لأسس المنطق الرمزي في هذا الاطار، حيث نتناول النظريتان الرئيسيتان في المنطق الرمزي بالشرح والتحليل : منطق المحمول ومنطق القضايا .
بعد ذلك تواترت الكتابات والمقررات الدراسية الأجنبية على اعتبار هاتين النظريتين هما الركائز الذي تأسس عليها كل ما لحق بالمنطق الرمزي من تطورات، وهما الأساس الذي لابد أن يشرع منه الطالب في دراسته لأصول هذا العلم .
ورغبة منا في وضع مقرر دراسي يتطابق مع ما يدرسه طالب المنطق في المعاهد والجامعات الاجنبيه فلقد قصرنا عرضنا لأسس المنطق الرمزى على شرح وتحليل لهاتين النظريتين .
وأعتبار المقدمة التاريخية للمنطق الرمزى وكذلك الارهاصات المنطقية الحديثة مثل نظرية كم المحمول للسير وليم هاملتون ونظرية الفئات لجورج بول وغيرها ضمن ما يحصله الطالب بالبحث في مصادر متنوعة في اطار تحقيق احدى المخرجات التعليمية المستهدفة لطالب الفلسفة وهي تحصيل المعرفة من مصادر متنوعة.